أولاً: أضواء على الموضوع:
مصرُ من أول الأقطار التى ازدهرتْ فيها الحضارةُ التي كان قوامها الثقافة العربية، واللغة المصرية القديمة لم تكنْ سوى فرع من فروع اللغات السامَّية التي تنتمي إليها اللغة العربية، لذا كان من الخطأ الزعم بأن اشتغال مصرَ بدراسة حضارتها القديمة يناقض نشاطها من خدمة العروبة، لأن حضارةَ مصر القديمة كحضارة بابل وآشور والسريان والفينيقين كّلها مظاهر للنشاط العربي.
وكان لموقع مصر الجغرافي أهمية في أن تكون مصر في خدمة العروبة منذ العصور الأولى فهي تقع بين قارتي: آسيا وأفريقية، ويلتقي فيها البحرُ الأبيض ووراءه المحيط الأطلسي، وبذلك أصبحت مصر حلقة الاتصال بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب.
وكان للفتح الإسلامي لمصر أهميته الكبرى في تاريخ العروبة ، لأنه لم يكن مجرد فتح لقطر من الأقطار ، بل فاتحة لإنشاء وطن عربي إسلامي في القارة الإفريقية كلها، وبهذا الفتح اتصلت العروبة اتصالا مباشرا بأوربا، وكانت مصر هي نقطة الاتصال بين المشرق والمغرب يقصدها العلماء والفقهاء والأدباء لتبادل الخبرات والفقهاء والأدباء، لتبادل الخبرات والثقافات، ممَا أثمر فوائد كثيرة في إفساح المجال للتفكير، وتوسيع آفاق الثقافة العربية، وأصبحت مصر مركزاً لانتشار العروبة في أعالي النيل.
وهذا الواجب المقدس لمصر في خدمة العروبة لم تقم به وحدها بل شاركها أبناء الأقطار الشقيقة الذين استوطنوا مصر. وكان لتأسيس الجامع الأزهر في مصر منذ أكثر من ألف عام دوره الكبير في انتشار اللغة العربية في جميع الأقطار التي تمت إلى العروبة بصلة.
كما كان للتعاون الثقافي المنظم المستمر بين أبناء مصر وأبناء الأقطار العربية والإسلامية أثره في خدمة العروبة من خلال انتقال الألوف من المصريين إلى البلاد العربية والإسلامية لكي ينشروا الثقافة العربية، ومن خلال استقبال أبناء هذه البلاد الوافدين إليها، وبذلك أصبحت مصر سوقا عظيمة لتطور الأدب والفنون وميدانا كبيراً للنشاط الثقافي، وساعدها على ذلك إنشاء المطابع والصحف والمجلات وأمكن لدور النشر أن تضارع في جمال إنتاجها دور النشر في الأقطار المتقدمة.
وبذلك كانت رسالة مصر هي خدمة العروبة بالتعاون مع جميع أبنائها، وهذا هو واجبها الذي يفرضه عليها موقعها الجغرافي في وسط العالم العربي.
أرسل عمرو بن العاص بعد أن استقر على ولاية مصر رسالة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يصف له مصر وأرضها الخصبة، ونيلها المبارك، الذي يجري بالخير على البلاد، ولولاه لأصبحت مصر صحراء جرداء، وبفضل جهد المصريين في زراعة الأرض والعناية بها، أصبحوا هم وغيرهم ينعمون بهذا الخير، وينالونه من غير تعب!! فتبارك الله الخالق لما يشاء.